الشيخ أحمد أبو المعالي ..الولي الصالح والسياسي المحنك والعالم القطب (الحلقة الأخيرة)


المصدر: سيد محمد ولد عبد الدايم ولد الشيخ أحمد ابي المعالي

الجانب التعبدي:

نستطيع أن نلخص هذا الجانب في برنامجه اليومي، الذي كان لا يقطعه إلا مرض شديد أو سفر متواصل وهو على النحو التالي:

كان يأتي إلى المسجد في السدس الأخير من الليل، ويبقى فيه إلى صلاة الصبح فيصليها في جماعة، ثم تأتي جماعة من الحفاظ لترتل حزبا من القرآن برواية ورش أو قالون عن نافع وهو يستمع، وبعد انتهائهم يبقى في مصلاه يذكره الله تعالى حتى تطلع الشمس فيصلي الضحى. ثم يذهب لتوديع من حان ارتحاله من الضيوف، ثم يعود إلى المنزل ليتصل بالتلاميذ في شأن تهيئة الضيافة لذلك اليوم ثم ينام في الزوال.

وفي أول وقت الظهر يأتي إلى المسجد، وربما يسبق المؤذن بالأذان، ويبقى بعد الصلاة يذكر الله تعالى، وربما اشتغل ببعض الأحكام الفقهية أو مطالعة التفاسير فربما فسر ثمنا أو ثمنين. وبعد صلاة العصر يعود للمنزل لتهيئة الضيافة.

وبعد أن يصلي المغرب يجلس للاستماع للحزب، ثم يجلس حتى يصلى العشاء ويقرأ الحزب، وفي رمضان يصلي التراويح بعد صلاة العشاء.

الجانب السياسي:

لم يكن في البلاد نظام سياسي مركزي بالمعنى الحديث كما ذكرنا سابقا، وإنما كانت هناك إمارات تتوزع حكم البلاد، وكانت القبائل تتولى تنظيم شؤونها الخاصة وخاصة الزوايا، حتى جاء الاستعمار فطرأ بعد سياسي جديد لم تكن البلاد تتوقعه فضلا عن الاستعداد لمقاومته، فقد كانت تسود البلاد فوضى سياسية عامة، في ظل هذه الظروف كانت توجد قبيلة "تاكاط" كغيرها من القبائل، ولم تكن لها قيادة مركزية بالمعنى السياسي للكلمة، وإنما كان لكل فخذ من يقوم بشؤونه، وإذا استجد أمر قدموا الأكبر سنا، وإن كنا نلاحظ الدور القيادي الفعلي الذي كانت تقوم به أسرة أهل محمد ولد عبد الدائم من الناحيتين الثقافية والسياسية، ابتداء من محمد وعبد الله مرورا بالشيخ الحضرمي، حتى وصل الأمر للشيخ أحمد أبي المعالي أخيرا في صورة قيادة سياسية فعلية.

عندما دخل الاستعمار البلاد، ووصل إلى منطقة مال وفدت عليه جماعة من "اداتفاق" – لعلها التي كانت موجودة في المنطقة آنذاك – وقد ذكرت أسماؤهم في وثيقة حررت بتاريخ 30/4/1904 والجماعة هي: لمرابط ولد عبد الدائم، المختار ولد اب، البكاي ولد اخيار انتاج، أحمد ولي الله ولد أحمد بن عبد الدائم.

وبعد ذهابها وصل الحاكم الفرنسي إلى بلدة "أكيرت" قرب صنكرافة، فقدم عليه لمرابط ولد عبد الدائم وأكد له ولاء تاكاط لفرنسا، فأقره الحاكم الفرنسي رئيسا عليهم مدى الحياة، وبعد وفاته خلفه ابنه عبد الودود، الذي ما لبث أن انقسمت عليه القبيلة ثلاثة أقسام:

1-    إدواش: بزعامة أهل محمد الراظي

2- تاكاط الجماعة: وتشمل أهل اعويس وأهل الطالب إبراهيم وأهل عبد الرحمن وأولاد اتفاق برئاسة عبد الودود أولا، ثم أحمد سالم ولد سيدي محمد محمود.

3- أهل بوخيار: بزعامة الشيخ أحمد أبي المعالي، لكن هذا القسم ما لبث أن صار هو الأكثر، بعد أن انضم إليه كثير من تاكاط الجماعة وخاصة أواه، وغيرها لما شاهدوه من عدالته، حيث يقول أواه معللا هذا الالتحاق بعد أن سئل عنه: أن الفقهاء ذكروا أنه لا يجوز لشخص أن يسلم أمره إلا لمن يتقي الله في الرضا والغضب، وأنه لا يرى هذه الصفة متحققة إلا في الشيخ أحمد أبي المعالي.

موقفه من رئاسة القبيلة:

لقد مر الشيخ أحمد أبي المعالي بفترتين فكريتين فيما يتعلق بالجانب السياسي، أو لنقل برأيين سياسيين.

الرأي الأول: لم يكن الشيخ أحمد أبي المعالي يفكر في رئاسة القبيلة، وإنما كان مهتما بمحظرته وتعليم تلامذته، والافتاء، والقضاء، وتربية القلوب.

الرأي الثاني: حدثت أحداث غيرت رأي الشيخ، ومن أهمها أنه بعد أن صار للشيخ مريدون كثيرون ومكانة علمية كبيرة، أخذ خصومه الغيرة والحسد منه فأصبحوا يكيدون له المكائد، ويتربصون به الدوائر، ويستغلون كل فرصة للإيقاع به، كما أنه لاحظ ذات مرة أنه عندما ظلم أحد تلامذته لم يستطع أن يدفع عنه، ومن هذه الأحداث أن الشيخ عرضت عليه قضية فحكم فيها بحكم قضائي، فتدخل خصومه وقالوا: أنه لا يجوز له أن يحكم بدون علم زعيم القبيلة، ووشوا به عند الحاكم الفرنسي، واتهموه بتأييد المقاومة التي كان يقوم بها أصحاب الطريقة القادرية، بقيادة أهل الشيخ ماء العينين وأبناء الشيخ محمد تقي الله بن الشيخ محمد فاضل، فحبس شهرا كاملا في ألاك مع جماعة من خلص أصدقائه وهم: أحمد ولي الله ولد أحمد ولد عبد الدائم، سيد المختار ولد سيب.

وبعد عودته نظر في الكتب وأصدر فتوى بأن هذا القائد لم يعد يصلح، وبالتالي يجب عزله فاختارت القبيلة بعد استفتاء رجلا من القبيلة، لكن هذا الأخير لم يستمر نظرا لضعفه مع نزاهته، فاختارت القبيلة أخيرا بأغلبية ساحقة الشيخ أحمد أبو المعالي زعيما لها.

وقد قام بأعبائها، وقدم للقبيلة إنجازات كثيرة، بل للزوايا عموما، لو تتبعنا ذكرها لاحتجنا إلى مجلدات.

وفـاته:

بعد أن أنار القلوب، وملأ الأسماع، وتردد اسمه على كل لسان، أجاب نداء ربه في شعبان سنة 1385هـ، الموافق دجمبر 1965م.

لكن عمله لم ينقطع، كما في الحديث: ((إذا مات ابن آدم انقطع إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) وقد من الله عليه بهذه الثلاثة، ولله الحمد والمنة.

وقد رثي بكثير من الأشعار وقد اخترت من بينها هذه القصائد التي رثاه بها ابن أخيه بُدَّ بن عبد الباقي رحمه الله :

محمل الصبر عند فقد الإمام         ضاق ذرعا وقطب كل الأنام

لما أنخنا بقبر الشيخ ذي الشاني     أبي المعالي ومأوى الخائف الجاني

إني غذاة منام الشيخ أحمدنا         ما زلت بالقبض والأشواق مصحوبا
شاركه على جوجل بلس

عن مدونة صنكرافة

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق