دور الشباب العربي في صناعة التغيير ومواكبة المرحلة

د.مولاي ولد احمد سالم
تمر حياة الأفراد والمجتمعات بمراحل مفصلية، يكون لها ما بعدها،وهي تجارب إنسانية  واجتماعية غير قابلة للاختزال والتكرار، و في  نفس الوقت  يوجد ما يمكن تسميته بالغد الأفضل، الممكن الوصول إليه من خلال دأب الفرد و وتضافر جهود الجميع بهدف تغيير النظم والأنساق المسئولة عن التردي  في دركات  اليأس والتخلف ، ولا يمكن تصور وجود عمل منظم ذي هدف كهذا إلا بسواعد الشباب وتضحياتهم كما يتطلب اجتماع القدرة و الإرادة، وحساب الوقت والجهد، ولا يمكن إهمال البيئات المحيطة بشقيها الحاضن لعملية التغير والمعادي لها انطلاقا من حسابات ومصالح تخص الأخر، هذا من جهة القوة الشبابية الساعية إلى التغيير، ومن جهة أخري لا يمكن التغاضي عن نصف الكأس الأخر الذي تمثله فئات شبابية أخري ارتبطت أو (ربطت) ببقاء ما كان على ما كان عليه؛ وليس في الإمكان تجاهل المخالفين  في الرأي  مهما كان موقفهم ما داموا شركاء في قضية القضايا و أم الإشكالات جميعا ونقصد بذلك هم الوطن العربي وهمومه القديمة المتجددة بدءا بضعف كياناته المشتتة  أصلا وليس  انتهاء بضياع قضاياه الكبرى  في دهاليز وأروقة لعبة الأمم، فضلا عن غياب العدالة و المساواة وانسداد الأفق أمام الفرد والمجتمع الذي وصفه هوبز يوما بأنه وحش بلا رأس، أي أنه قوة تحتاج إلى هدف، فمتى إذا تتضافر الجهود ونتجاوز حالة سقيمة هي:
 من يريد لا يقدر ومن  يقدر لا يريد؟.

وإذا أخذنا في الاعتبار أن نسبة الشباب في العالم العربي تبلغ حوالي 60% على غرار الدول النامية في العالم الثالث فإن هذا ما يطرح سؤالا جوهريا عن مدي وعي هذه الشريحة بما تتجه إليه وأسباب تحركها حتى يتسنى إمكانية الحكم على مصير ما تقوم به أو تحاول القيام به.
إن الناظر إلى هذه الشعوب الهادرة بشعرات التغيير يراها كلا واحدا يشكل انسجاما رائعا بين مختلف التوجهات والمشارب والمذاهب على نحو يفوق الخيال، فكأن الناس جميعا اتفقوا في لحظة واحدة على ضرورة إزالة هذه النظم، ولكن عادة ما تكون الشعوب بسيطة وعفوية بحيث لا تفكر في مخاوفها الماثلة غدا والمتمثلة في إشكالية الهوية من نحن؟،من هؤلاء الآخرون (إسلاميون، ليبراليون،مسيحيون ، عامة الناس)؟، ما ذا سنفعل بعد إسقاط النظام، ماهي أولويات المرحلة؟، لا أحد يسأل نفسه ولا غيره عن هذا المهم أن يسقط النظام وكفي.
وعندما يسقط النظام أخيرا ويعلن الرئيس تخليه عن منصب رئيس الجمهورية أو يستغل طائرة خاصة، ويعلم الجميع بخروجه تحين ساعة الحقيقة، ما هي الحقيقة ؟، الحقيقة أن هناك سياسة وأوراق يتم لعبها، وعندما يصار إلى ترتيب الأمور تموت الثورة وتحي الأحزاب والشخصيات والرموز ويستعيد  الأمن المبادرة، ولا يبقي للشباب من دور سوي تنظيف الميادين وإزالة الشعارات المكتوبة على الجدر، وفي فن الممكن يموت الطيب دائما ويجني ثمار التضحيات شخوص سمعت بهم لأول مرة، وهذا ما يؤدي لما يسمي  بالموجة الثانية من الثورة، وعند إذن  تكون الظروف مواتية لظهور تيار الدولة العميقة أو ظهور نتائج عملها، متمثلة في طرح إشكالات تفرق الشباب ولا تجمعهم، وتضع عراقيله وتنمق  شخصيات عسكرية وسياسية ودبلوماسية وتجهز حملة إعلامية تملأ الدنيا وتشغل الناس، محاولة بشتى الطرق التأثير في مجري الأحداث بعد أن كانت معطلة خلال المرحلة الأولي من الثورة بسبب هول الصدمة والمفاجأة، فتبدأ عندئذ توحي بفشل هذه التجربة، وأنه لا بديلة عن قبضة الأمن وأن المواطن لم يبلغ بعد سن الرشد للتعبير عن رأيه، فيتمايز الشباب نفسه ويظهر في هذه المرحلة دور القضاء والمجتمع المدني ووسائل الإعلام،ويتم استغلال الحرية لأبعد الحدود حتي يقال أن الشعب لا بد له من سلطة مركزية كي لا يأكل نفسه، وليست هذه الدولة العميقة بمفردها بل تعمل إلى جانبها قوي إقليمية ودولية، لا ترتاح لهذه التغيرات المفاجأة ولو كان ثمن ذلك غض الطرف عن الانقلابات والتجاوزات اليومية في مجال حقوق الإنسان والتعدي على الأملاك والحريات العامة والخاصة، لتكون بذلك أي هذه القوي ألاعب الخفي الثالث الذي يناور في المسافة بين المطالبين بالتغير (المتظاهرين) والدولة العميقة.
فإلى أين سيقود هذا التصادم العالم العربي؟،فالحق لا يتنازل عنه المرء بسهولة ، والقوة تغري بالتسلط، وألاعب الثالث يعيش أسعد فتراته فحدود إسرائيل آمنه والنار تنتقل من حاضنة المقاومة  في دمشق إلى مخيمات حزب الله ، ومعابر غز عليها حفيظ أمين، والنفط العربي يتدفق بأثمان يحددها القراصنة؟.   يمكن تصور سيناريوهين  في هذا الصدد:
أولا: أن يستمر الشباب في تنظيمه وضغطه السلمي حتى ينزعج العالم المتغاضي عن ما يجري و يترافق ذك مع قناعة تامة تسود النخبة العسكرية التي حكمت على أنقاض الثورة أنه لا أمل في استتباب الأوضاع على هذا النحو، وفي نفس الوقت ينضج جناح وطني داخل الجيش لا يري نفسه ملزما بالتضحية ببلاده في سبيل أشخاص أغلقوا باب العودة ولم يعد لهم خيار غير السباحة عكس التيار وفي بحر لجي لا ساحل له، وقبل ذلك قد تلجأ هذه الأنظمة إلى تشديد القمع مثل استصدار أحكام بالإعدام مستعجلة وعرض المدنين أمام القضاء العسكري، وحل الجمعيات والهيئات والأحزاب السياسية ذات الصلة بالتغيير، كتعبير عن ضيق صدرها بطول نفس الشباب وبتكتيكاته المختلفة في التغيير السلمي .
ثانيـــا: أن يتجاهل الحكام والرأي العام الدولي ما يجري في هذه الدول من مظاهرات وتظاهرات في ظل منع كامل لوسائل التعبير الديمقراطي، مما يعني الاصطدام بقوة الأمن، مما يفتح على البلاد أبوابا إلى مصير مجهول يقود إلى انفراط عقد الدولة ويؤدي إلى انتشار الأسلحة على حساب المواد الغذائية والخوف محل الأمن، وعند إذن يجد الغرب نفسه مرغما على المحافظة على كيانات هو من أوجدها أصلا.
وفي النهاية نستخلص أنه لا يوجد حل سحري لمأزق الاستبداد بل توجد حلول يفرضها الواقع والضغط الشعبي الذي يحرك الشباب ما كنته التعبوية والإعلامية والسياسية، متجاوزا بذلك عقيدتي  "الهوية " والخوف ومسقطا في نفس الوقت مقولة "الاستثناء الشرقي" أو "الاستثناء الإسلامي" كأحد أهم المقولات التي تبرر غياب الديمقراطية في العالم العربي .
شاركه على جوجل بلس

عن مدونة صنكرافة

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق