الشيخ محمد المصطفى ولد الشيخ أحمد أبي المعالي..رحيل أمة

في منتصف العشرية الثانية من القرن الماضي، وتحديدا في  1917م (1335 هـ) ولد الشيخ محمد المصطفى ولد الشيخ أحمد أبي المعالي.

والده هو  الشيخ أحمد أبو المعالي ولد  الشيخ أحمد حضرامي ولد أحمد ولد محمد بن عبد الدائم ولد  أحمد ولد  الطالب اخيار ،  ووالدته هي فاطمة بنت محمدو (ابوه) ولد أحمدُ ولد محمد ولد عبد الدائم .

درس القرآن الكريم على الشيخ  سيد المختار ولد سيب البوخياري ،  ثم انتقل إلى محظرة أهل الطالب براهيم وبعدها إلى محظرة أباه ولد محمد الامين وفى أواخر الثلاثينات انتقل إلى محظرة أهل محمد عالي ولد عبد الودود .

ولم يطل مقامه فيها كثيرا حيث انتقل إلى محظرة أهل أحمدو فال التندغيين حيث درس العلوم العربية والشرعية.

 احتفى به شيخ المحظرة هناك وأكرمه إكراما كبيرا، حتى أن الشيخ ظل وإلى  وفاته يكرمهم ويتحفهم بالهدايا ،  عرفانا منه بالجميل.


في عام 1965م بويع بالخلافة بعد وفاة والده الشيخ أحمد أبي المعالي الذي أوصى له بها قائلا (كنتْ رافدْ حملْ اثقيلْ ورانِ درتُ اعليكْ كومْ بيه ْ يالشيخْ الخليفَ).

التزم الشيخ الطريقة القادرية حتى آخر عمره ، وهي طريقة سنية تنسب إلى مؤسسها عبد القادر الجيلاني ، و يلتزم المورد فيها بتسعة أمور، الالتزام بالكتاب والسنة و الجَـدٌ والكًـدٌ ولزوم الحَـدٍ حتى تنقد، و الاجتماعٌ والاستماعٌ والإتباعٌ حتى يحصل الانتفاع ، و الاعتقاد بشيخ الطريقة العقيدة الصحيحة، و حب الشيخ ، و الدعوة إلى الله ، و كثرة الذكر لله تعالى ، و محبة آل البيت ، و حب كل الأولياء والصالحين.

يمكن القول إن  الشيخ محمد المصطفى عليه رحمة الله كان فريدا في منطقته بشكل عام وفي الأسرة بشكل خاص،  حيث تميز بعدة ميزات جعلته يكسب احترام وتقدير خصومه قبل أصدقائه ومحبيه ومريديه.


-  عرف عن الشيخ الورع  الشديد والزهد في الدنيا، وقد أوثر عنه أنه لم يخرج في طلب دنيا أبدا وإنما كانت الدنيا تأتيه راغمة طائعة حيثما كان .


-  صراحته وصرامته في الحق وذالك ماجعل أحد الرؤساء الموريتانيين يحاول النيل منه،  لأنه رآه لا يعبؤ بالرؤساء ولا الأمراء.

-  ابتعاده عن تولى المناصب السياسية وإدارتها لأنه كما يقول لايداهن في الحق رئيسا ولا غيره وقد صرح بهذا للرئيس محمد خونه ولد هيداله .

- عمارة الأرض والاستخلاف فيها ،  وقد أحيا  كثيرا من مواتها بحفر الآبار وعيون المياه حتى النخيل .

-  بعده عن الشهرة ،  فلم يسكن المدن ولا العواصم ولم يستهويه بريق الحضارة ،  وإنما اختار البوادى ينشر دين الله ويطعم الجائع والمحتاج وينشر طريقته القادرية الفاضلية السنية .

- تربيته للقلوب بشكل عز نظيره في زمانه حيث تتلمذ عليه كثير من الناس  وصدر عنه الكثيرون،  واستمر يربي القلوب وينشر كلمة التوحيد أكثر من أربعين سنة.

مدائح الشعراء فيه:


نتيجة لمآثره الجمة ومكانته في المجتمع والمنطقة فقد كان قبلة للشعراء ومحجة الأدباء وقد جمع ابنه (سماعيل) مامدح به من الشعر في ديوان سينشر قريبا حيث استطاع أن يجمع اكثر من ستة آلاف بيت شعر كلها في مدحه حتى أن بعض الشعراء مدحه عشرات المرات بقصائد متتالية ،  من أمثال  الفقيه المحقق والشاعر المفلق القاضي محمد يسلم ولد الدمين الجكنى مدحه بأكثر من ثلاثين قصيدة مرتبة على الأبجدية من الألف حتى الياء.

يقول  الفقيه محمد المصطفى ولد الشيخ عبد الرحمن في حق الشيخ :

بِيَدِ الغـرام أنا شهيدُ المعــركِ ... فـعلامَ أُغْسَلُ بالدمـوع السُّفـَّكِ ...
لا تغسـلنْ يا دمــع خدى واتئدْ ... ودعِ الجهالةَ فى انسكابكَ واتركِ ...
إنى ركبتُ وغى الغــرام مجاهدا ... أتخال لومك يا عذولى ممسكى ؟...
فكــــأن عينى مـــعدن مُستخرَج... مـنه الجمان الرَّطب لم يستمسَك..
تغلِـــــى به نارُ الهوى فتــــذيبُه... فيسيــــر سيرا مسرعا لم يُمْلَكِ ...
إن كان طـــــــــرفى للآلئ مــعدن ... ففمى أخو طرفى عزيز المَــدْرك ...

إلى أن يقول :

شعرى جمان ليس يلبس نظمه ... .إلا كـــــــريم قــادري المـــسلك ...
قرن الشـريعة بالحقيقة سالكا ... مـن مــهيع العلياء مالم يسلك ...
أخـــــلاقه القرآن فهو جـلالة ... أبـــــد الزمان كـأنه فى مَنْسَكِ ...
مثلُ الإمام الحضرمي المصطفى ...ومحمد أسمـى فـتى مُـتنسِّـك ..
مــأوى الشريعة والحقيقة كــفه .. ترياق داء أخى الهدى والمشرك...
أحـيا الليـاليَ قـــانتا مــــتبتلا ... فكـأنها مـن نوره لــم تحـلك ...
ومـشى بقفر الأرض يحيي ميته .. كـالغيث يقصد كل قفر مهـلك ..
مــطر هتون بين خـمس أنامل ... إن أمسك الأمطارُ ليس بممسك ...
حـال جـــــنيدي بغير تكـــــلف ... فـي نائل عذبُ المذاقة بَرْمَكِى ...
كــان الزمـان من الكرام مُفَلَّسا ... فـأتيت فاستغنى فلم يك يشتكى ..
فغـــدا وكــان مقطبا من فقره ... مــهما ذكرتَ له يُسَرّ ويضحك ...



كما أنتج بحق الشيخ عدد غير قليل من الشعر الحساني ،   ولعل (اطلعْ) ابوكى ول اعلياتْ المشهورة من أهمها ، والتي مطلعها

أقطاب السر والاعمايم .....خيمة عبد الدايم
مفهوم  زاد عنها .... خيمت عبد الدايم .

وكذالك الشاعر المفلق حماد ولد الدمين ومن أشهر مدائحه قوله :

الشيخ المصطاف خافَ ... ربُّ واعطاه الكرامَ...
وزبَّ من مدفع طالع..... نسأل الله السلام ...


للشيخ قصة مع  الرئيس المختار ولد داداه، يروويها عنه من عاصروه،  فقد التقى به  بداية الستينات، وكان ذلك  في حياة والده الشيخ أحمد أبي المعالي، ثم إن  المختار ولد داداه أعطى الشيخ  مبلغا من المال كبيرا، (لعله كان يريد دعمه سياسيا) ،  فرماه الشيخ محمد المصطفى له قائلا (الدنيا عندى لاتساوى شيئا).

 ولعل ذالك كان أحد الأسباب الرئيسة لقضية تامشكط المعروفة.

 وفي منتصف السعينات حاول الرئيس المختار ولد داداه التقرب منه وأعطاه مايسمى حينها أمانة حزب الشعب في مقطع لحجار وهي بمثابة نائب عن المقاطعة ولكنه اختار الابتعاد عن السلطة وأمر أخاه الأصغر حينها الشيخ عثمان أن يتولاها  و كان ذالك سنة 1975م.

وبالنسبة لمحمد خونه ولد هيداله فقد كانت علاقته به جيدة أول الأمر حيث زار مدينة آكرج وزار ضريح الشيخ أحمد ابي المعالي سنة 1982م ولكن في نهاية حكم ولد هيداله كان هناك من أفسد العلاقة بينهما حتى وصل الأمر حد القطيعة بينهما .

أما نظام  معاوية فقد حافظ معه على  علاقة جيدة مع الشيخ ،  طول حكم الرئيس معاوية.

 وفي سنة 2003 استقبل الشيخ محمد المصطفى العلامة محمد الحسن ولد الددو وأثنى عليه ، و أعلن مساندته له ضد ما يتعرض له من مآمرات وتلفيق ، وذلك بعد حملة اعتقالات قادها نظام ولد الطائع ضد قادة التيار الاسلام.


و يقال إن الشيخ التقى أيضا الرئيس السابق لموريتانيا،  أعل ولد محمد فال  وأمره بالعدل وحثه على رفع الظلم عن الناس .


توفي الشيخ محمد المصطفى يوم الجمعة 2008-8-22 م في المغرب حيث كان يتعالج ونقل إلى أكيرت حيث أوصى بأن يدفن هناك.

 وقد شكلت وفاته حدثا بارزا وحزنا عظيما لدى محبيه ومريديه ، كما  رثاه الكثير من الشعراء ونختار هنا مرثية الشاعر المفلق محمد الحافظ ولد أحمدو التندغي حيث يقول:

الدين قائم ركـــنه متصـــــدع .... والمجد مقصوص الجناح مفجع ...
والكـــــون غاب إمامه وأمينه .... فمـــــرابع العليــــاء قفر بلقع ...
ألشمس من سبع طباق قد هوت؟... أم قد قضى الغوث الأغر الأروع ...
البدر بدر التم فى ليل الضلا ........ لة والسبيل إلى الهدى والمهيع ...
العـــالم الوزر الذى بيمـــينه .... وبيمـــنه ومقـــامه يستشفع ...
الشيخ والقطب الحميد المصطفى..... وأبو العلا وابن المعالى المصقع ...
فى ذمة البر الرحيم مودع..... مامثله فى الصالحات مودع
شاركه على جوجل بلس

عن مدونة صنكرافة

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق