إلى معارضتنا اللينة


المعارضة في ظل الأنظمة الديمقراطية الحقيقية ـ لا تلك الصورية ـ لها دوها ضمن منظومة الحكم  لها حقوقها و عليها واجباتها التي كفلها الدستور بلا منة من أحد ، تمارس دورها بهدوء في مراقبة الحكومة و المساهمة في التشريعات من خلال ممثليها في البرلمان الذين لهم كل الحرية في مساءلة المسؤولين و حجب الثقة عن الحكومات  و كذلك خدمة المواطن من خلال المجالس البلدية و مواقع الخدمة في كل مرافق الدولة دون أن يحتاج عناصرها إلى إخفاء توجهاتهم السياسية خوفا من التصفية أو التضييق ،  هذا فضلا عن دورها في الشارع الذي يتمثل في توعية المواطن من أجل ترسيخ قيم و ثقافة الديمقراطية و التداول السلمي على السلطة ، حتى إذا حانت فرصة التقدم للشعب بمشروعها في الحكم كان للشعب كل الحرية في الاختيار إما بتجديد الثقة للنظام القائم أو بإعطاء الثقة لخيارات أخرى ، كل ذلك يحصل بعيدا عن توظيف من بيده السلطة وسائل الدولة للضغط على الناخبين و التأثير عليهم للتجديد له لأن القضاء هو الآخر يلعب دوره كسلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية  و الكل سواسية أمامها
و بما أن ديمقراطيتنا ولدت مشوهة و كبرت معوقة تختلط فيها السلط (السلطة التشريعية  و السلطة القضائية و السلطة التنفيذية) و لا يزال النظام الذي تصدق علينا بها ـ مشكورا ـ هو الذي يحكم منذ ما يناهز ثلاثة عقود مع قدرته الفائقة على تبديل الرؤوس كل ما شعر أنه بحاجة إلى ذلك للحفاظ على مصالحه  فإن المعارضة مطالبة بالتخلي عن أسلوب الليونة و انتظار المعجزات ، و باتت مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإيجاد وسائل أكثر تأثيرا لتوتير الوضع و تأزيمه من خلال الاعتصامات و المظاهرات و العصيان المدني ـ إن تطلب الأمر ـ  فبدون التأزم و التعرض للمضايقة و الاعتقالات والمنافي سيظل النظام في وضع مريح يخدمه و لا يضره
فالوضع الحالي يعطي صورة إيجابية  عن النظام خارجيا و داخليا فهو ليس سوى نظام "ديمقراطي" تنشط فيه المعارضة تتظاهر و تعقد المؤتمرات و تنتقد و تطالب ، ثم تأتي العطلة الصيفية فتأخذ نصيبها من الراحة والاستجمام كما يفعل طلاب المدارس و الجامعات ، لتستأنف أنشطتها السياسية "اللينة " مع بداية سنة دراسية جديدة و هكذا دواليك
إن نمط الليونة الذي تتبعه المعارضة بكل أطيافها و مكوناتها الحزبية و غير الحزبية هو نمط لا يجدي و لن ينتج عنه أي تغيير لأنه أثبت فشله بل أعطى النتائج العكسية و كأن المعارضة تتحرك بحسب ما يرسم لها النظام ..
لقد آن الأوان أن تقوم المعاضة بثورة في صفوفها فتٌخرج من بينها عملاء النظام العسكري و كل فاسد سبق له أن تورط في فساد من خلال موقعه كمسؤول في النظام في أي فترة من الفترات لأن منطق  الأشياء يرفض أن يدعو للثورة على الفساد فاسدين سابقين اكتوى الشعب بفسادهم ، كيف يرفض الظلم ظلمة متقاعدون أذاقوا الشعب ويلات العذاب و التعذيب و القتل و الملاحقة لمواقفهم السياسية و توجهاتهم الفكرية  أو لمعارضتهم لأنظمة هم من كان يحميها  و يسوم الشعب سوء العذاب بأمرها , لا بد أن تٌخرج المعارضة من بينها من هذه صفاته و ما أكثرهم ثم تتحرك بعد ذلك بقوة و شجاعة و إيمان و صبر و عزم إلى اقتلاع النظام العسكري ..
صحيح أن عملية التنظيف هذه لن تترك إلا أحزابا قليلة قد لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة لكنها أحزاب مؤثرة تمتلك من القواعد الشعبية و الرموز النظيفة ما يخولها للقيام بواجب الوطن ..
ستكون على المعارضة بعد أن تتخلص من ما يجب أن تتخلص منه أن تتسلح بوضوح الرؤية و جاهزية البديل و سلامة الوسائل بحيث تكون سلمية بالكامل مهما واجهها من بطش و غطرسة ، قد يتطلب الأمر وقتا و جهدا و استنزافا لكنه في الأخير مضمون النتيجة لتخليص الوطن من طغمة عسكرية تسير به نحو الهاوية و أي تأخر في هذه المهمة يعني تسليم الوطن لجهات بات تضرب بقوة قريبا منا .


                                                                                   محمد فاضل أحمد بوها 
شاركه على جوجل بلس

عن مدونة صنكرافة

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق