الجمعيات.. وإشكالية الاستخلاف



محمد يسلم الشيخ
الرئيس الأسبق لمنسقية شباب الأمل بالوكالة
يعرف المجتمع المدني بأنه مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف ويقوم نشاطها على العمل التطوعي، ويذهب بعض الباحثين إلى القول بأنّ بوادر المجتمع المدني وأشكاله الأولى نشأت في البلدان العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث تشكلت النقابات العمالية والمهنية في بداية القرن العشرين، وكذلك الجمعيات التعاونية والأحزاب السياسية وسواها من المنظمات التي تدخل في إطار تعريف المجتمع المدني، ويدين في انتشاره النسبي لظاهرة العولمة،  تلك العولمة التي وصلت لبلادنا حيث عرفت بداية المجتمع المدنى بمفهومه الحديث مع بداية الاستقلال وإن كان الميلاد القانوني يعود لسنة 1964 عندما أسس أول قانون يحكم الجمعيات الناشطة في العمل الجمعوي ،لكن الطفرة الحقيقية حدثت بداية التسعينات مع بداية الانفتاح الديمقراطي، ولقد قام شبابنا من طلاب الجامعة والثانوية  على غرار جل شباب الوطن  مطلع الألفية الثالثة، بإنشاء أول جمعيات في المنطقة لملء الفراغ الذي يعشيه مجتمعهم وللنهوض به من وضعية يرونها مزرية سواء في المجال الثقافي أو الاقتصادي أو حتى الاجتماعي.. إلى غير ذلك من المجالات، هذا حسب تجربتي هو الدافع الأساس لإنشاء الجمعيات على مستوى منطقتنا.
ولقد واجه المؤسسون  أتحدث هنا عن تجربتي ومن اطلعت على تجربتهم عدة تحديات لعل أبرزها المجتمع نفسه، ذلك أنه لايعرف المجتمع المدني بالمفهوم الحديث، وبالتالي تقبله ليس أمرا يسيرا زيادة على ذلك أن النخبة المثقفة والتي كان ينبغي أن تكون الحاضن والداعم للشباب لم تتفاعل بالشكل المطلوب، أمور ضمن أخرى صعبت من طرق أبواب مهمة، هذا فضلا عن التجربة المتواضعة للمؤسسين، كل هذا حال دون تحقيق الطموح العالية وحجرعثرة كادت أن تتكسر عليها الإرادة، ولكن بفضل الله تم التغلب على الكثير من ذلك، مع محدودية ماقدم مقارنة بالطموح والبرامج التي وضعت وقتها.
 تلك نبذة عن الماضي، وموضوعي عن الحاضر الذي من خلاله نستشرف المستقبل.
إن أكبر تحد تعيشه جمعياتنا اليوم هو قضية " التوريث " أو لنقل الاستخلاف، فمعلوم أن المنخرط في المجتمع المدني ينبغي أن يكون لديه فائضا من الوقت والجهد والتجربة  والخبرة تمكنه من خدمته المجتمع، كما أن دوره يبدو جليا كلما ظهرت أمور تخلت عنها الدولة من مختلف المشاريع، وللأسف لم يتمكن الجيل المؤسس والذي أخلفه  على الأقل عندنا في طيبة أن يبنوا جيلا قياديا صاعدا يضمن عملية الاستمرار الجمعوي ويواصل تنفيذ الخطط المرسومة ويطور العمل ويكرس ثقافة التطوع، وهو أمر على القائمين على الشأن الجمعوي حاليا التنبه له، ووضع خطط استيراتيجية للتغلب عليه قبل أن توصد الابواب ونرجع للوراء.
إن اشكالية الاستخلاف في نظري تعود لعدة عوامل أساسية:
- أن الجيل المؤسس لم يدر في خلده قضية التوريث، أو لم يضع لها خططا تمكن من الاستمرارية  ودائما أتحدث عن نفسي ومكونتي الجمعوية على المدى المتوسط والبعيد.
- أن الشباب الذين كان عليهم حمل المشعل، شغلته وسائل التكنولوجيا المتطورة والخنوع لقوانين المجتمع، ماولد نوعا من الكسل وعدم تحمل المسؤولية.
- عدم الاندماج في المدرسة مع الأندية التي هي الفاعل الأساسي في تكوين الشخص الجمعوي  والبداية الفعليه لها  كما هو حال المؤسسون، وهذا نتج عنه نوع من اللامبلاة للجمعية التي ينتسب لها ورقيا.
- عدم استغلال المرأة خاصة المثقفة في لعب الدور المنوط بها، والذي سيكون له الأثر البالغ في الشريحة النسائية بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، فهن الأقدر على تطوير المجتمع إلى الأحسن.
- أن النخبة السياسية وقفت موقفا سلبيا من الجمعيات، فصنفتهم لجهات معينة، وسعت للحد من تأثيرهم وتأثر المجتمع بهم، ربما خوف الوعي المجتمعي الذي سيفرض عليهم مالم يريدوا، وربما الصراع السياسي بين النافذين فرض عليهم ذلك.
- هذا فضلا عن النظرة المجتمعية للقائمين على الجمعيات، والتي تصل أحيانا لحد السخرية منهم، وهو ما يئد الأحلام.
وبشكل عام فإنه ينبغي تنظيم طاولة لسبر هذا المشكل  أي مشكل الاستخلاف الذي لن يقتصر ضرره على جمعية معينة، بل سيتجاوز ذلك إلى مكونة  أملنا " منسقية شباب الأمل " والتي وقودها كل الجمعيات المؤسسة والمنضوية تحت لوائها.
ومع كل هذا يبقى الأمل مشرقا إن شاء الله مع الارادة والإخلاص والتفاني.

أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح * ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ


محمد يسلم الشيخ
الرئيس الأسبق لمنسقية شباب الأمل بالوكالة
شاركه على جوجل بلس

عن مدونة صنكرافة

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق