الهــــــارب (قصة قصيرة)

تهادى قليلا بين حيطان منزله  العتيق,نظر يمينا وشمالا فلم يرى شيئا,أضاء مصباح اليد الذي  معه صوب الساعة التي في معصمه والتي كان قد اشتراها قِدما من أحد حوانيت البلدة النائية,كانت عقاربها تشير إلي تمام الساعة الثانية صباحا,عاد إلى فراشه واستلقى عليه,أنً أنة حزينة أتْبعها بسيل جارف من التأفف تساءل في حيرة:

مالذي اقترفتُه حتي أعاني كل ما عانيته؟

الدنيا أمامي تبدو كما لو كانت تشبه كتلة ظلام دامس.

أرق واضطراب,ثم ارتباك وهستيريا,صحيح أنني لن أوافق علي القرار الذي يريدون اتخاذه,لكن ألا توجد وسيلة أخرى تساعدني علي أن أبدو وكأن الأمر لا يعنيني؟

قالها جهرة ثم استشاط غضبا,وجلس واثقا من نفسه,واصل حديثه :

من أنا؟

مالذي يريدونه مني؟

ما هذه الوصاية أي ديكتاتورية اجتماعية هذه,؟

تركناهم يمارسونها في كل شيء,الاقتصاد,السياسة,أي شيء.....

وهاهم يمارسونها علينا في الشؤون الاجتماعية الخاصة..

لا,لا,لا,لن يكون,وطفق بطشا بمحتويات البيت العتيق,أزال كل شيء من مكانه ووضعه في الزاوية,ثم ما لبث  أن توقف أمام الخردة الثمينة(صورة العشيقة)والتي قد مضى حين من الدهر علي التقاطها صورة شمسية قديمة قِدم الحب الذي بينهما.

استفاق حينها من نوبة الهستيريا التي أصابته,ودخل في لحظة عشق غير مسبوقة,قبل الصورة(الكنز) ووضعها علي صدره وأجهش في البكاء,عاوده الحنين إلي رؤية العشيقة التي طالما سفهتها له نسوة الحي وذلك لحاجة في نفس يعقوب,نظر ثانية إليها واشتد بكاؤه ,نبس ببعض الكلمات الآتية من عمق شخص جريح,لا...لا.. لن يستطيعوا أن يفرقوا بيننا,لن أتزوج غيرك وسكت...

خامره شك داخلي في قدرته على الوفاء بما قاله,ذلك لأنه عاطل عن العمل ومصدر رزقه الوحيد هو أخوه(مختار)الذي تتحكم الوالدة في كل تصرفاته,والوالدة نفسها قررت ويكل إصرار أن لا مجال للمساومة الموضوع إما ان يتزوج(عبدو)من بنت خاله,أو أن يقطع عنه مختار رزقه .

انهار من جديد أمام هذه الضغوط اللا منصفة ,تداعى نحو الجدار وأسند رأسه إليه وعاوده البكاء ثانية,بكي حتي نضب شلال الدموع المتفجر من رأسه,ثم نعس قليلا...

لم تكد سِنَةُ النوم ترخي جفونه حتي تذكر(ضاربة الودع)....آه..آه..آه

إنها هي.....لقد تذكرتها....إنها العجوز التي ساعدت زميلي (عمر)علي حل مشكلته التي تماثل مشكلتي تماما.

قالها وهو يهرول نحو الباب,أوقفه حاجز الظلام الذي لا زال يلف المكان,الوقت لازال ليلا والسكون يعم الأرجاء,لا يخترقه سوى نباح كلب (أهل هَنُونْ) العجوز.

عاد أدراجه واسترخي علي فراشه,وما إن فعلها حتي عاودته التأملات والوساوس,استسلم لها حتي تنفس الصباح وظهر قليل ضوء,ثم فتح الباب وسار خفية قاصدا كوخ ضاربة الودع,وقف أمام بابها الذي لازال موصدا طرق الباب علي استحياء,خرجت إليه وتجاعيد النوم لازالت ترسم أشكالا هندسية غريبة علي وجهها المسن.

من؟

عبدو!!

 مالذي جاء بك في هذا الوقت الباكر؟

لم يجب علي أي من تساؤلاتها الملحة

طلب منها أن تضرب له الودع

ردت عليه أن الودع قد استعارته منها أمه,التي قالت انها تحتاجه لبضعة أيام,

اصفر وجه (عبدو) وعبس

نظرت إليه وقالت:

ما   بك؟

هل أنت مريض...؟

متى سيكون زفافك؟

 قاطعها..زفافي مع من.....؟

ردت عليه بما لا يحب سماعه,,,

زفافك مع بنت خالك,,,,

ما إن قالتها حتي رجً الكوخُ بصياحه,وخرج عنها وقد خلع كل ملابسه.

 أخذ يعدو بين بيوت الحي المتناثرة بأعماق الصحراء,تجمع الأهالي من كل أرجاء الحي وراحوا يَعدُون خلفه وهم لايرون إلا جسمه النحيل يتوارى عنهم شيئا فشيئا حتي اختفي وراء الكثيب البعيد.


الكاتب : أحمد ناجي ولد تمليخ
شاركه على جوجل بلس

عن مدونة صنكرافة

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق