خمس ملاحظات حول قضية "الرق وإيرا"


لعله من غرائب الصدف أن صديقي الخليجي سألني اليوم إن كان لا يزال في موريتانيا "عتق الرقبة"، فلما أجبته بالنفي، قال لي إنه أعتق قبل ست سنوات رقبتين في الحدود الموريتانية السنغالية، يأتي هذا السؤال غداة نقاش مهم حول قضية الرق في موريتانيا وبلدية صنكرافة خصوصا، وآراء متعددة إزاء نشاط حركة ايرا ودورها في المجتمع، وإسهاما في الموضوع وتوطئة للنقاش ، أسجل - في عجالة -  الملاحظات التالية:

1

أن الاسلام عندما جاء يحمل نور الهداية ويحث على قيم الحرية وجد الاسترقاق موجودا قبله، وكان أمرا شائعا بين الأمم ومباحا في كل القوانين الأرضية والرسالات السماوية، حتى بلغ أن أصبح موردا اقتصاديا تعتمد عليه الأمم، وقواما لحياة اجتماعية قائمة على الطبقية و العنصرية.

وبرغم أن الاسلام أقر منه ما أقر، فإنه لم يأمر به، ولم يندبه لفاعليه، ولم يترك من أبوابه التي كانت موجودة في الأمم السابقة( كالأسر والفقر و العجز والخطف وسواد البشرة)، إلا بابا واحدا وهو الأسر، واضعا لذلك شروطا معلومة، وفي إشارة القرآن على المن أولا ثم الفداء ثانيا أن ذلك أولى.

لقد كان تشوف الإسلام للحرية وتنسمه للإنعتاق والكرامة الإنسانية بارزاً إذ اعتبرها في أعمق معانيها مرادفة للحياة، "ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة"، فالذي يخرج نفسا مؤمنة بالخطأ من جملة الأحياء يلزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار لأن اطلاقها من قيد الرق كإحيائها.

2

لقد حرص الاسلام على فتح أبواب الحرية و حصر منافذ الاسترقاق: فقد فتح ما لا يكاد يُعد من الأبواب لتحقيق الحرية ولينعم بها المجتمع الإسلامي، ورغبت نصوصه بشتى الأساليب في تحرير الرقاب، قال تعالى: " فلا اقتحمَ العَقَبَة، وما أدراك ما العقبة، فكُّ رقبة".


و من السنة ما أخرج الإمام مسلم من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " من لطم مملوكاً أو ضربه فكفارته أن يعتقه".


و كان من عامة وصيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين حضرته الوفاة كما أخرج أحمد والبخاري ومسلم من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ : "الصلاة وما ملكَت أيمانُكم". حتى جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغرغر بها صدره و ما يكاد يفيض بها لسانه.


و لو سارت الأمة على هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ و صحابته الكرام ـ رضي الله عنهم ـ لتحرر الأرقاء جميعا؛ فالصحابة لم يشتروا الأرقاء ليستعبدوهم وإنما ليفكوهم من آصار الرق وأغلاله.

3

إن أغلب الاسترقاق الذي كان موجودا في موريتانيا ليس شرعيا، وهذا ما يؤكده أغلب الباحثين في هذا المجال، ومع وجود حروب جهادية كالتي قادها مجاهدون ومصلحون كالحاج عمر الفوتي وأبوبكر بن عامر، وساوري توري يعتقد أن الاسترقاق الناجم عنها شرعيا، فإن بقية بعض الاسترقاق الناجم عن الحروب الأخرى ليس شرعيا.

وبالتسليم أن الاسترقاق الذي كان موجودا طبع بصبغة شرعية، فإن أغلب المعاملات التي كانت سائدة في المجتمع لا تمت للإسلام بصلة كذلك، بدءا بإهمال التربية والتعليم وليس انتهاء بالضرب و تحميل الأرقاء ما لا طاقة لهم به.

4

في صنكرافة لا يوجد تاريخ معروف حول الاسترقاق في الأزمنة السابقة، لكن أغلب الظن أن المنطقة كانت تتخلق بخلق القوم في عهدهم، مع مراعاة التعامل الحسن الذي كانوا يلاقونه من أسيادهم، والعلاقة الطيبة التي تربط بين العبد وسيده.

وهذه العلاقة وإن كانت تحت مظلة الاسترقاق فإنها أخف بكثير من التعامل الخشن و السيء الذي نسمعه عن تاريخ الاسترقاق في مناطق الدولة الأخرى.

5

لقد أدى هذا الوضع السيء إلى ظهور دعوات كثيرة تطالب باسترداد الحقوق، أو على الأصح باستجلابها، والدعوة إذ تقوم على مستند عقلي وشرعي، من حيث الحق في الحرية (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحرارا)، والعيش الكريم، فإنها تخطء حين تحمل الأجيال اللاحقة مسؤولية ما اقترفه السابقون.

إن من حق لحراطين أن يعيشوا حياة كريمة، تقوم على أساس العدل و المساواة في الحقوق المدنية، وأن يحصلوا على مدارس في قراهم ومستشفيات و تحسين وضعهم الاقتصادي بدعم الاقتصاد وتمويل المشاريع، لكن حرص بعض هؤلاء النشطاء على الهجوم على مكون كبير من المجتمع بحجة أخطاء الماضي يفقدهم التعاطف و المؤازرة في وقت هم في أشد الحاجة إليه.

لقد استغلت ايرا هذا الوضع السيء لزرع أفكارها التي تقوم بالدرجة الأولى على إقصاء الآخر، وتحميله المسؤولية، و زرع أفكارها في شباب ونساء يشعرون باليأس و الاضطهاد و الإقصاء ، في واقع مزري لا يتراءى لهم فيه تغيير ولا تبديل.

إننا نحتاج إلى خطاب ينصف هؤلاء المظلومين، و يتبنى قضيتهم و يسعى إلى مساعدتهم و تغيير واقعهم، والمسؤولية هنا واقعة على السلطة كما الشعب سواء بسواء، قبل أن يخرج الامر عن السيطرة، ولا مفر حينئذ من ضريبة أغلا من ضريبة توفير العدل و الإحسان إلى الناس.

محمد الهادي ولد حمادي
شاركه على جوجل بلس

عن مدونة صنكرافة

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق